مع الأديبة ميّ الصايغ | أرشيف

ميّ الصايغ

 

العنوان الأصلي: مع الأديبة ميّ الصايغ.

المصدر: مجلّة أدب ونقد.

الكاتب(ة): أحمد جودة.

زمن النشر: أيّار (مايو) 1987.

***

الأديبة الفلسطينيّة ميّ الصايغ.

حاورها أحمد جودة.

 

ميّ الصايغ كاتبة وشاعرة فلسطينيّة معروفة في الدوائر الثقافيّة العربيّة، تتسع دائرة اهتماماتها لتشمل – بالإضافة إلى الشعر- القضايا السياسيّة وقضايا المرأة. إذ تولّت الأمانة العامة لاتّحاد النساء الفلسطينيّ، وقادت الجهود النسائيّة الشعبيّة لدعم صمود الشعبين الفلسطينيّ واللبنانيّ أثناء حصار بيروت، ولها دور معروف في إنقاذ أرواح الجرحى الفلسطينيين أثناء مذابح أيلول الأسود في الأردن سنة 1970.

صدر لميّ الصايغ خمسة دواوين هي «إكليل الشوك»، «قصائد منقوشة على سلسلة الأشرفيّة»، «قصائد حب لاسم مطارد»، «عن الدموع والفرح الآتي»، بالإضافة إلى ديوان مشترك عن مذابح أيلول الأسود. هذا إلى جانب كتاباتها العديدة في مجلّة «الكرمل»، و«الكاتب»، و«شؤون فلسطينيّة»، و«السّفير».

 

ما هي دوافع الكتابة لديك؟ وما طبيعة محددات تجربتك الإبداعية؟

الكتابة لديّ صور ومخزونات عاطفيّة، وبقايا ذكريات طفولة وشباب، وأفكار سياسيّة. الكتابة اختزان، ذكرى وجه أراه، كلمة أسمعها، رائحة أشمّها، أيّ شيء من ذلك مدٌّ ينفجر لدى الكتابة. لا أستطيع أن أكتب في مناسبات، أحيانًا تكون استطاعتي للبكاء أكثر من استطاعتي للكتابة. دوافع الكتابة تختلف بين فترة وأخرى، منذ عامين انتبابتني حالة من الرغبة في الكتابة النثرية، ربّما لوجود موضوعات تلحّ على ذهني يجب أن تقال بتفاصيلها الدقيقة، لذلك أكتبها نثرًا، وأحيانًا أكتبها شعرًا. الشعر عندي دفقة شعوريّة، شحنة عاطفيّة ووجدانيّة مركّبة. أنا أكتب "النثر" الآن لإحساس بأنّ من واجبنا تجاه الشعب والمستقبل أن نقول كلّ الأشياء للقادمين.

 

أيّ أشياء؟ هل تقصدين تجربة هذا الجيل؟

بالضّبط، تجاربنا لا يجب أن نتركها تذهب هباءً، ما فعله جيلنا هو خطوات على طريق شعبنا نحو التحرّر. أحيانًا أحسّ بأنّني أريد أن أقول لأولادي كلّ ما مرّ بي، حتّى وإن لم أجد إنسانًا أحكي له تجربتي، أقول للأشياء، للحوائط وللشجَر.

 

 أنت عشت حصارين؛ حصار المخيّمات الفلسطينيّة في عمّان إبّان مذابح أيلول الأسود عام 1970، وحصار بيروت. ما مشاعرك وأنت تكتبين عن تجربة "الحصار"؟ وهل تعتقدين أنّ تجربة "الحصار"، أكبر من تجربة "الكتابة عن الحصار" كما يقول البعض؟

 أحيانًا أحسّ أنّني لا أستطيع أن أكتب عن الحصار. ثمّة نماذج عاشت الحصار كالأنبياء. عندما كتبت حاولت أن أسجل "العاديّ"، و"المعقول" واللامعقول. الّذي حدث قد لا يصدّقه الناس، وسيرونه "مبالغات شعريّة". لم يفِ أحد الحصار حقّه، لأنّ التجربة كانت أوسع وأعمق من كلّ إمكانياتنا. بيروت الحصار كتبت نفسها، في قلوب من عاشوا الحصار.

 

 لقد كنت رئيسة اتّحاد المرأة الفلسطينيّة، ترى ما طبيعة موقع المرأة في الثورة الفلسطينيّة؟ وهل انعكس "المحتوى التحرّري" للثورة على التحرّر الاجتماعيّ للمرأة الفلسطينيّة؟

هذا سؤال حيويّ وهام، المجتمع الفلسطينيّ مجتمع شرقيّ في جوهره، وتكمن خصوصيّته في أنّه لا يقبل المرأة إلّا إذا كانت رجلًا أو "أخت الرجال" بالتعبير الفلسطينيّ. الرجل الفلسطينيّ يريد المرأة على صورته ومثاله، ثمّة ازدواجيّة "عنيفة" ورياء علنيّ، فالرجل الفلسطينيّ يريد "مناضلة" وامرأة في الوقت نفسه. المرأة مساوية للرجل "تحت السلاح"، خارج هذا الإطار لا توجد مساواة. في الستّينات كان ثمّة معسكر في عمّان لأنصار الثورة الفلسطينيّة، وكنت مدعوّة لحضور ندوة في هذا المعسكر لأُحاضِرْ، وذهبت وأنا ألبسُ فستانًا عاديًّا وبسيطًا، ولم يقبل قادة الثورة أن أدخل المعسكر، وطلبوا منّي أن ألبس البدلة العسكريّة؛ تلك ازدواجيّة عنيفة.

 

 لكنّ المرأة الفلسطينيّة حصلت على حقوق عديدة بحكم انتظامها في تيّار الثورة؟

 نعم، لكن يجب أن تكون "شيئًا ممسوخًا" حتّى تقبلها الثورة، لذلك الكلّ يسأل: ما هو دور المرأة في الثورة؟ ولا تجد من يسأل ما هو موقع المرأة في المجتمع الفلسطينيّ؟

المرأة الفلسطينيّة تشبه المرأة الجزائريّة، طالما كان النضال على أشدّه، تمتّعت المرأة بحقوق عديدة، وعندما ينتهي "النضال" ستعود إلى البيت، لأنّ المجتمع لم يتطوّر بالقدر الكافي.

 

 لكنّ الظروف الموضوعيّة والتاريخيّة للثورة الفلسطينيّة تختلف عن الظروف الّتي عاشتها الثورة الجزائريّة؟

 نعم، ثمّة تغيير حقيقيّ أصاب المجتمع الفلسطينيّ، وتغيّرت نظرته للمرأة إلى حدّ كبير. يجب أن تستفيد المرأة من "النضال الوطني" بحيث تحسّن شروط دورها، وتدعم مكانها في المجتمع الفلسطينيّ، ولا تعود مواطنة من الدرجة الثانية كما هو الحال في بلدان العالم العربيّ. المرأة يجب أن تحصل على المساواة "الإنسانية" للرجل.

 

وما طبيعة التطوّر الإيجابي الّذي لحق بالمجتمع الفلسطينيّ تجاه قضيّة المرأة؟

 لقد حدث تطوّر رهيب داخل الأرض المحتلّة وخارجها في المجتمع الفلسطينيّ. صار مقبولاً أن تخرج "البنت" من البيت، وترسّخ هذا الوضع في المجتمع الفلسطينيّ، وظروف النضال هي الّتي اقتضته، فهي تحكم عليها أن تبيت خارج البيت، وهذا الوضع أصبح عاديًّا. وبالتالي تخلخلت سلطة الأب، والأخ، والزوج، وأصبح للمرأة مكانة متميّزة. أضف إلى ذلك البعد الاقتصاديّ الّذي ساعد المرأة على مزيد من التحرّر، ففي أحيان كثيرة تجد النساء هنّ اللّواتي يُعِلْنَ الأسرة. المرأة في الأرض المحتلّة هي الموجودة، الرجال قد يعتقلون أو يُقتلون، أو يهاجرون، ونسبة المرأة في الأرض المحتلّة أكبر بكثير من نسبة الرجل.

 

إذن، هل تحوّل المجتمع الفلسطينيّ في الأرض المحتلّة إلى مجتمع أموميّ؟

 ليس بالضّبط، التشتت وظروف النّضال فرضت على المرأة مسؤوليات "عنيفة". ثمّة آلاف الأسر الّتي تُعيلها النساء، وتُديرها النساء. الظّروف الشرسة الّتي يعانيها الشعب الفلسطينيّ دفعت المرأة إلى العمل لكسب الرزق، للعمل في كافة المهن، من أعلاها إلى أدناها، وعلى كلّ المستويات. المرأة الفلسطينيّة تتحمّل مسؤوليات جسام، لكنّ ذلك كلّه لم يُترجم على شكل قوانين، لأنّه لا يوجد مجتمع فلسطينيّ له جغرافيّته الواقعيّة مثل المجتمعات الأخرى، بحيث يستطيع أن يسنّ قوانينه، ويبني نظامه السياسيّ ومؤسساته. وعندما بَنَت الثورة الفلسطينيّة مؤسسات اقتصاديّة، واجتماعيّة، وثقافيّة هائلة في لبنان، وكان عمادها تنمية الإنسان الفلسطينيّ، تمّ تدميرها عمدًا بأسلحة الغزو الصهيونيّ للبنان، وتمّت تصفيتها بعد الحصار.

 

 


عَمار: رحلة تُقدّمها فُسُحَة - ثقافيّة فلسطينيّة لقرّائها، للوقوف على الحياة الثقافيّة والإبداعيّة والاجتماعيّة الّتي شهدتها فلسطين في تاريخها المعاصر، من خلال الصحف والمجلّات والنشرات المتوفّرة في مختلف الأرشيفات.